كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **


<تنبيه> قال النووي في الأذكار‏:‏ ظاهر هذه الأحاديث تدل على جواز لعن العاصي مع التعيين أي أنه لو لم يجز لعنه كانت اللعنة على لاعنه والمشهور حرمة لعن المعين وأجاب الزين العراقي بأنه قد يقال إن ذلك من خواص المصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لمقولة اللهم إني أتخذ عندك عهداً أيما مسلم سببته أو لعنته الحديث‏.‏

- ‏(‏حم عن ابن عباس‏)‏ رمز المؤلف لضعفه وهو كما قال فقد بين مغلطاي أن أحمد رواه من حديث ابن المبارك عن ابن لهيعة ثم قال‏:‏ أعني مغلطاي هو مرسل لأنه أبهم الراوي فيه عن ابن عباس وابن لهيعة مختلف فيه لكن ذلك لا يقدح في إيراده شاهداً لما قبله لأن الشواهد لا يعتبر لها شرط الصحيح من كل وجه انتهى وقال المنذري ضعيف وقال ابن حجر فيه ضعف لأجل ابن لهيعة والراوي عن ابن عباس متهم انتهى وقال الهيتمي فيه ابن لهيعة ورجل لم يسم‏.‏

141 - ‏(‏اتقوا‏)‏ احذروا ندباً وإرشاداً ‏(‏المجذوم‏)‏ أي مخالطة الذي به جذام وهو داء رديء يحدث من انتشار المرة السوداء بالبدن فيفسد مزاج الأعضاء وتشاكلها وربما تأكلت أو اسودت وسقطت والفعل منه جذم على بناء المفعول ‏(‏كما يتقى‏)‏ بضم الياء وشد المثناة فوق مفتوحة بضبط المؤلف أي مثل اتقاء ‏(‏الأسد‏)‏ أي اجتنبوا مخالطته كما تجتنبوا مخالطة الأسد الحيوان المفترس فإنه يعدي المعاشر كما جزم به الشافعي في الأم في موضع وحكاه عن الأطباء والمجربين في آخر ونقله غيره عن أفاضل الأطباء فقالوا‏:‏ مقاربة المجذوم معدية برائحته وقد تكون الطبيعة سريعة الانفعال قابلة للاكتساب من أبدان المجاورين والمخاطبين بل الوهم وحده من أكبر أسباب الإصابة والرائحة أشد أسباب العدوى لكن لا بد معها من كمال استعداد البدن ولا يناقضه خبر لا عدوى ولا طيرة لأنه نفي لاعتقاد الجاهلية نسبة الفعل لغير الله فوقوعه بفعله تقدس أو لأن الطاعون ينزل ببلد فيخرج منه خوف العدوى وأما المجذوم ومثله المسلول فلم يرد به هذا الخبر وما أشيهه إلا التحرز عن تعدي الرائحة فإنها تسقم من أطال اشتمامها باتفاق حذاق الأطباء، وأكل المصطفى معه تارة وتارة لم يصافحه لبيان الجواز وصحة الأمر على سالك طريق الفرار وسالك طريق التوكل ففعل الأمرين ليأخذ من قويت ثقته بربه بطريق التوكل ومن ضعف بطريق التحفظ والحاصل أن الأمور التي يتوقع منها الضرر قد أباحت الحكم الربانية التحرز عنها قلا ينبغي للضعفاء أن يقربوها وأما أهل الصدق واليقين فبالخيار وعلى ذلك ‏[‏ص 138‏]‏ ينزل ما تعارض من الأخبار واحتج بها الشافعي كالجمهور على إثباته الخيار في فسخ النكاح به وعارضه المخالف بأن الخبر يوجب الفرار لا الخيار وأجيب بأن الأمر بالفرار من أعظم الأعذار فلا ثبوت في الخيار

- ‏(‏تخ عن أبي هريرة‏)‏ رمز المؤلف لصحته‏.‏

142 - ‏(‏اتقوا‏)‏ إرشاداً ‏(‏صاحب الجذام كما يتقى السبع‏)‏ وفي رواية الأسد أي احذروا مخالطته وتجنبوا قربه وفروا منه كفراركم من الأسود الضارية والسباع العادية حتى أنه ‏(‏إذا هبط وادياً فاهبطوا غيره‏)‏ مبالغة في التباعد عنه ‏(‏فإن قلت‏)‏ لم خص الأسد دون الحية ونحوها الأعظم ضرراً ‏(‏قلت‏)‏ فيه مناسبة لطيفة وهي أنه يسمى داء الأسد ومما قيل في توجيه التسمية أن العلة كثيراً ما تعتريه وأنها تحمر وجه صاحبها وتجعله في سحنة الأسد وفيه إشارة أيضاً إلى أنه يفترس من يعديه ويدنو منه افتراس الأسد بقوته والحية إنما تقتل بسمها لا بعزمها ‏(‏ابن سعد‏)‏ في الطبقات ‏(‏عن عبد الله بن جعفر‏)‏ بن أبي طالب أول ولد للمهاجرين بالحبشة وكان آية في الكرم بحيث يضرب به المثل وله صحبة رمز المؤلف لضعفه لكن يشهد له ما قبله‏.‏

143 - ‏(‏اتقوا النار‏)‏ أي اجعلوا بينكم وبينها وقاية أي حجاباً من الصدقة ‏(‏ولو‏)‏ كان الاتقاء بالتصدق ‏(‏بـ‏)‏ شيء قليل جداً مثل ‏(‏شق تمرة‏)‏ بكسر المعجمة أي جانبها أو نصفها فإنه يفيد فقد يسد الرمق للطفل فلا يحتقر المتصدق ذلك فلو هنا للتقليل كما تقرر وهو معدود من معانيها كما في المغني عن اللخمي وغيره وقد ذكر التمرة دون غيرها كلقمة طعام لأن التمر غالب قوت أهل الحجاز والاتقاء من النار كناية عن محو الذنوب ‏{‏إن الحسنات يذهبن السيئات‏}‏، ‏"‏أتبع السيئة الحسنة تمحها‏"‏ وبالجملة ففيه حث على التصدق ولو بما قل وهذا الحديث صدره محذوف ولفظ رواية الشيخين عن عدي بن حاتم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه فاتقوا النار ولو بشق تمرة متفق عليه‏.‏

- ‏(‏ق ن عن عدي بن حاتم‏)‏ ابن عبد الله بن سعد الطائي الجواد ابن الجواد أسلم سنة سبع ونزل في سبسانة منعزلاً ‏(‏حم عن عائشة‏)‏ الصديقية ‏(‏البراز‏)‏ في مسنده ‏(‏طس والضياء‏)‏ المقدسي في المختارة ‏(‏عن أنس‏)‏ بن مالك ‏(‏البراز‏)‏ في مسنده أيضاً ‏(‏عن النعمان بن بشير‏)‏ بموحدة مفتوحة ومعجمة مكسورة الأنصاري ‏(‏وعن أبي هريرة‏)‏ الدوسي ‏(‏طب عن ابن عباس‏)‏ ابن عم المصطفى ‏(‏وعن أبي أمامة‏)‏ الباهلي واكثار المؤلف من مخرجيه مع وجوده في الصحيحين لا حاجة إليه لكنه حاول التنبيه بذلك على أنه متواتر وبه أفصح في الأحاديث المتواترة‏.‏

144 - ‏(‏اتقوا النار‏)‏ أي احترزوا منها بالتقوى التي هي تجنب المخالفات لئلا يصيبكم ويواقعكم عذابها قال الحراني‏:‏ وجهنم هي عدة الملك الديان لأهل العصيان بمنزلة سيف الملك من ملوك الدنيا ‏(‏ولو بشق تمرة‏)‏ واحدة فإنه يسد الرمق ‏(‏فإن لم تجدوا‏)‏ ما تتصدقون به حتى التافه لفقده حساً أو شرعاً ‏(‏فبكلمة‏)‏ أي فاتقوا النار بكلمة ‏(‏طيبة‏)‏ تطيب قلب السائل مما يتلطف به في القول والفعل فإن ذلك سبب للنجاة من النار وقيل الكلمة الطيبة ما يدل على هدي أو يرد عن ردي أو يصلح بين اثنين أو يفصل بين متنازعين أو يحل مشكلاً أو يكشف غامضاً أو يدفع تأثيراً أو يسكن غضباً، واستدل الشافعية بهذا الخبر وما قبله على أنه لو قال لزيد عندي شيء وفسره بما لا يتمول كحبة بر وشق تمرة قبل ‏(‏تتمة‏)‏ قال ابن عربي وشيء ببعض شيوخنا بالمغرب عند السلطان في أمر فيه هلاكه فأمر بعقد مجلس وأن الناس إن أجمعوا على حل ‏[‏ص 139‏]‏ قتله قتل فجمعوا فاجتمعوا فاحضرهم ليشهدوا في وجهه فيقتل فلم يستطع أحد منهم أن يشهد فسئل الشيخ بعد فقال‏:‏ تذكرت النار فرأيتها أقوى من الناس غضباً وتذكرت نصف رغيف فرأيته أكثر من نصف تمرة فأسكتت غضبهم بالتصدق بنصف رغيف في طريقي فدفعت الأقل من النار بالأكثر من شق تمرة وفي رواية للخطيب بدل طيبة لينة وفيه حث على الصدقة بما قل وجل وأن لا يحتقر ما يتصدق به وأن اليسير من الصدقة يستر المتصدق من النار‏.‏

- ‏(‏حم ق عن عدي‏)‏ بن حاتم قال ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم النار فتعوذ منها وأشاح بوجهه ثلاثاً ثم ذكره‏.‏

145 - ‏(‏اتقوا الدنيا‏)‏ أي احذروها فإنها أعدى أعدائكم تطالبكم بحظوظها لتصدكم عن طاعة ربكم بطلب شهواتها وتشغلكم عن خدمة مولاكم بخدمة ذاتها ونفسك لها عليك ظهير وهواك لاتباع مرضاتها مشير وأنت غير قليل التماسك عن شهواتها مسترسل معها سريع الانقياد للذاتها ‏(‏فوالذي نفسي‏)‏ بسكون الفاء ‏(‏بيده‏)‏ بقدرته وإرادته وتدبيره فهو كناية عن تمكنه تعالى منها تصرفاً وتقلباً كيف يشاء إذ لا جارحة ولا استقرار، وهو مؤذن بطلب اليمين في الأمر المهم وكان أكثر قسم المصطفى به لأنه أشرف الأقسام لأن نفسه الشريفة أنفس الخلق ثم زاده تأكيداً بأن واللام فقال ‏(‏إنها‏)‏ أي الدنيا ‏(‏لأسحر‏)‏ بلام التوكيد أي أعظم سحراً ‏(‏من‏)‏ سحر ‏(‏هاروت وماروت‏)‏ قال الحراني‏:‏ هما ملكان جعلا حكمين في الأرض وقال القاضي كالزمخشري ملكان أنزلا لتعليم السحر ابتلاء من الله تعالى للناس وتمييزاً بينه وبين المعجزة وقيل رجلان سميا ملكين باعتبار صلاحهما ومنع صرفهما للعلمية والعجمة وقال الكازوني ملكان من أعبد الملائكة ركب الله فهما الشهوة بعد ما طعن الملائكة فينا ليظهر عذرنا فعصينا فخيرهما بين عذابي الدنيا والآخرة فاختارا عذاب الدنيا فعذبهما إلى يوم القيامة ويمتحن بها عباده انتهى، وإنما كانت أسحر منهما لأنهما ليسا من جنس الآدميين وكل شيء إنما يألف جنسه وينخدع له والآدمي خلق من الدنيا يألف لذاتها وينخدع لشهواتها فلذلك صارت أسحر منهما ولأنهما لا يعلمان السحر حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه فهما يعلمان السحر ويبينان فتنته والدنيا تعلم سحرها وتكتم فتنتها وشرها وتدعو إلى التحارص عليها والتنافس فيها والجمع لها وهما يعلمان ما يفرق بين المرء وزوجه وهي تعلم ما يفرق بين المرء وربه فشتان بين سحرها وسحرهما كيف وهي تأخذ بالقلوب عن القيام بحق علام الغيوب وعن وعده المطلوب ووعيده المرهوب كيف وهي تسحر العقول وذلك لا يبلغه سحرهما المعقول كيف والسكران بسحرهما يفيق كما يفيق السكران بالرحيق والسكران بسحرها لا يفيق إلا في ظلمة اللحد المضيق المؤذن بعذاب الحريق فالسلامة منها تسليمها لأهلها والإعراض عن فضلها ‏.‏

<تنبيه> مر ما يفيد أن السحر إتيان نفس شريرة بخارق عن مزاولة محرم ثم إن اقترن بكفر فكفر وإلا فكبيرة عند الإمام الشافعي وكفر عند غيره وتعلمه إن لم يكن لذب السحرة عند نشره حرام عند الأكثر وعلى ذلك يحمل كلام الإمام الرازي في تفسيره اتفق المحققون على أن العلم بالسحر ليس بقبيح ولا محذور ولأن العلم شريف ولعموم ‏{‏هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون‏}‏ ولأن السحر لو لم يعلم لما أمكن الفرق بينه وبين المعجزة والعلم بكون المعجز معجزاً واجب وما يتوقف الواجب عليه فهو واجب قال‏:‏ فهذا يقتضي كون العلم به واجباً وما يكون واجباً كيف يكون حراماً أو قبيحاً‏؟‏ انتهى‏.‏

- ‏(‏الحكيم‏)‏ الترمذي في النوادر ‏(‏عن عبد الله بن بسر‏)‏ بضم الموحدة وسكون المهملة ابن صفوان ‏(‏المازني‏)‏ نزيل حمص صحابي مشهور عاش أربعاً وتسعين سنة وتوفي بحمص أيام سليمان ابن عبد الملك، وضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على رأسه ودعا له، صحب النبي صلى الله عليه وسلم هو وأبوه وأمه وأخوه عطية وأخته الصماء، وهو صحابي صغير، آخر من مات من الصحابة بحمص، روى البخاري عنه حديثاً واحداً في صفة النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ أهـ‏.‏ قال الزين العراقي‏:‏ ورواه ابن أبي الدنيا والبيهقي في الشعب من رواية أبي الدرداء الرهاوي مرسلاً وقصة هاروت وماروت المشهورة وردت من نحو عشرين طريقاً بعضها حسن فزعم بطلانها غير ‏[‏ص 140‏]‏ صواب كما بينه الحافظ ابن حجر وقال من وقف عليها يكاد يقطع بوقوع القصة‏.‏

146 - ‏(‏اتقوا بيتاً يقال له الحمام‏)‏ أي احذروا دخوله فلا تدخلوه ندباً للاغتسال فيه إلا لضرورة أو لحاجة وقال يقال له الحمام لأن العرب بالحجاز لم تكن تعرف الحمام ولم يدخله المصطفى‏.‏ قال ابن القيم‏:‏ ولا رآه بعينه وما وقع لبعضهم مما يوهم خلاف ذلك وهم قالوا‏:‏ يا رسول الله إنه يذهب الوسخ ويذكر النار قال‏:‏ إن كنتم لابد فاعلين ‏(‏فمن دخله‏)‏ منكم ‏(‏فليستتر‏)‏ أي فليستر عورته عمن يحرم نظره إليها وجوباً وعن غيره ندباً‏.‏ قال الحكيم‏:‏ هذا يفهم أنه إنما أمر بأن يتقى لنظر بعضهم إلى عورة بعض ولم يصرح عن جواب السائل بأنه يذكر النار لأن تذكيره لها غير مطرد في حق كل أحد إذ هو يخص العامة فإن الواحد منا إذا عاين بقعة حامية ذات بخار وماء حميم أخذه الغم ودارت رأسه حتى استروح إلى ما يبرد فؤاده وتروح بما يدخل من خلل الباب من الهواء واستنشق الماء البارد وتذكر بذلك دار العقاب فكان ذلك سبباً لاستعادته من فنون العذاب وأما أهل اليقين فالآخرة نصب أعينهم فلا يحتاجون إلى الاتعاظ بحمام وغيره وأول من اتخذ له الحمام سليمان عليه الصلاة والسلام وأول من اتخذها بالقاهرة العزيز بن المعز العبيدي كما في خطط المقريزي، وتاريخ المسيحي وقد اختلف السلف والخلف في حكم دخول الحمام على أقوال كثيرة والأصح أنه مباح للرجال بشرط الستر والغض، مكروه للنساء إلا لحاجة

- ‏(‏طب ك هب‏)‏ وكذا الحكيم ‏(‏عن ابن عباس‏)‏ قال ك وهو على شرط مسلم وأقره الذهبي في التلخيص مع أن فيه عبد العزيز بن يحيى أبو الأصبع أورده أعني الذهبي في الضعفاء وقال‏:‏ قال البخاري لا يتابع على حديثه وقال أبو حاتم‏:‏ صدوق ورواه عنه البزار، قال عبد الحق وهو أصح حديث في هذا الباب وأما ما أخرجه أبو داود والترمذي فلا يصح منه شيء وقال في المطامح ليس في شأن الحمام ما يعول عليه إلا قول المصطفى صلى الله عليه وسلم في صفة عيسى كأنما خرج من ديماس وقد ألف فيه بعضهم مؤلفاً حافلاً جمع فأوعى ولإختلاف أخباره اختلف الفقهاء في دخوله على أقوال متكثرة ومذهب الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه الإباحة للرجال بشرط الستر والغض والكراهة للمرأة حيث لا عذر‏.‏

147 - ‏(‏اتقوا زلة العالم‏)‏ أي سقطته وهفوته وفعلته الخطيئة جهراً إذ بزلته يزل عالم كثير لاقتدائهم به فهفوته يترتب عليها من المفاسد ما لا يحصى وقد يراقبه للأخذ عنه من لا يراه ويقتدي به من لا يعلمه فاحذروا متابعته عليها والاقتداء به فيها ولكن مع ذلك احملوه على أحسن المحامل وابتغوا له عذراً ما وجدتم لذلك سبيلاً وعلم من ذلك أنه لا عذر لنا في قولنا إن أكلنا الحرام فالعالم الفلاني يأكله مثلاً قال الغزالي‏:‏ في هذا جهل وكيف يتعذر بالاقتداء بمن لا يجوز الاقتداء به فإن من خالف أمر الله تعالى لا يقتدى به كائناً من كان ولو دخل غيرك النار وأنت تقدر على أن لا تدخلها فلا عذر لك في موافقته‏.‏ والزلة في الأصل استرسال الرجل بغير قصد والمزلة المكان الزلق وقيل للذنب من غير قصد زلة تشبيهاً بزلة الرجل ذكره الراغب ‏(‏وانتظروا فيئته‏)‏ بفتح الفاء بضبط المصنف أي رجوعه وتوبته عما لابسه من الزلل، تقول فاء إلى الله فيئة حسنة إذا تاب ورجع ذكره الزمخشري وغيره إنما قال ذلك لأن العلم يحمله على التوبة كما قال في الحديث الآخر ستنهاه صلاته وفي الحديث الآخر إن المؤمن خلق مفتناً تواباً إذا ذكر تذكر قال الغزالي‏:‏ احذر من الاغترار بعلماء السوء فإن شرهم أعظم على الدين من شر الشياطين إذ الشياطين بواسطتهم يتصدون إلى انتزاع الدين من قلوب المؤمنين ولهذا لما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أشر الخلق قال‏:‏ اللهم غفراً حتى كرروا عليه فقال‏:‏ هم علماء السوء وقال ابن عباس‏:‏ ويل للعالم من الأتباع يزل زلة فيرجع عنها ويتحملها الناس فيذهبون في الآفاق وفي منثور الحكم والمدخل زلة العالم كانكسار السفينة تغرق ويغرق معها خلق كثير وقيل لعيسى عليه الصلاة ‏[‏ص 141‏]‏ والسلام من أشد الناس فتنة قال زلة عالم وفي الإسرائيليات أن عالماً كان يضل الناس ببدعته ثم تاب وعمل صالحاً فأوحى الله تعالى إلى نبيهم قل له لو كان ذنبك فيما بيني وبينك لغفرته لك لكن كيف بمن أضللته من عبادي فأدخلتهم النار‏؟‏ فأمر العلماء خطر وعليهم وظيفتان ترك الذنب ثم إخفاؤه إن وقع وكما يتضاعف ثوابهم على الحسنات فيضاعف عقابهم على الذنوب والسيئات إذا اتبعوا والعالم إذا ترك الميل إلى الدنيا وقنع منها بالقليل ومن الطعام بالقوت ومن الكسوة بالخلق اقتدى به العامة فكان له مثل ثوابهم بنص خبر ‏"‏من سنّ سنة حسنة‏"‏ وإن مال إلى التوسع في الدنيا مالت طباع من دونه إلى التشبه به ولا يقدرون على ذلك إلا بخدمة الظلمة وجمع الحطام الحرام فيكون هو السبب في ذلك فحركات العلماء في طوري الزيادة والنقصان تتضاعف آثارها إما بربح أو خسران ‏(‏الحلواني‏)‏ بالضم نسبة إلى حلوان بلد بآخر العراق وهو الحسن بن علي الحلواني الخلال شيخ مسلم‏.‏

- ‏(‏عد هق‏)‏ وكذا العسكري في الأمثال كلهم ‏(‏عن كثير‏)‏ المزني بمثلثة ضد قليل المزني قال في الكاشف واه وقال أبو داود كذاب وفي الميزان عن الشافعي وأبي داود ركن من أركان الكذب وضرب أحمد على حديثه وقال الدارقطني وغيره متروك‏.‏ قال ابن حبان له عن أبيه عن جده نسخة موضوعة وقال ابن عدي عامة ما يرويه لا يتابع عليه وهو ‏(‏ابن عبد الله‏)‏ قال الذهبي صحابي وثق ‏(‏ابن عمرو بن عوف‏)‏ المزني الصحابي ‏(‏عن أبيه‏)‏ عبد الله ‏(‏عن جده‏)‏ عمرو المذكور ولم يقتصر المصنف على الصحابي فقط كما هو عادته ليبين أنه من رواية الرجل عن أبيه عم جده وذلك من أنواع علوم الحديث كما هو معروف وقد سكت عليه فلم يرمز له بضعف وغيره ومن قال إنه رمز لضعفه فقد وهم فقد وقفت على نسخته بخطه ولا رمز فيها إن سلم عدم وضعه فقد علمت القول في كثير وقال الزين العراقي رواه ابن عدي من حديث عمرو بن عوف هذا وضعفه انتهى فعزو المصنف الحديث لابن عدي وسكوته عما أعله به غير مرضي ولعله اكتفى بإفصاحه بكثير‏.‏

148 - ‏(‏اتقوا دعوة المظلوم‏)‏ أي اجتنبوا دعوة من تظلمونه وذلك مستلزم لتجنب جميع أنواع الظلم على أبلغ وجه وأوجز إشارة وأفصح عبارة لأنه إذا اتقى دعاء المظلوم فهو أبلغ من قوله لا تظلم وهذا نوع شريف من أنواع البديع يسمى تعليقاً ثم بين وجه النهي بقوله ‏(‏فإنها تحمل على الغمام‏)‏ أي يأمر الله برفعها حتى تجاوز الغمام أي السحاب الأبيض حتى تصل إلى حضرته تقدس وقيل الغمام شيء أبيض فوق السماء السابعة فإذا سقط لا تقوم به السماوات السبع بل يتشققن قال الله تعالى ‏{‏ويوم تشقق السماء بالغمام‏}‏ وعلى هذا فالرفع والغمام حقيقة ولا مانع من تجسيم المعاني كما مر لكن الذي صار إليه القاضي الحمل على المجاز حيث قال استأنف لهذه الجملة لفخامة شأن دعاء المظلوم واختصاصه بمزيد قبوله ورفعه على الغمام وفتح أبواب السماء له مجاز عن إثارة الآثار العلوية وجمع الأسباب السماوية على انتصاره بالانتقام من الظالم وإنزال البأس عليه وقوله ‏(‏يقول الله وعزتي وجلالي لأنصرنك‏)‏ بلام القسم ونون التوكيد الثقيلة وفتح الكاف أي لأستخلصن لك الحق ممن ظلمك وفتح الكاف هو ما اقتصر عليه جمع فإن كان الرواية فهو متعين وإلا فلا مانع من الكسر أي لأستخلصن لصاحبك وتجسد المعاني وجعلها بحيث تعقل لا مانع منه ‏(‏ولو بعد حين‏)‏ أي أمد طويل بل دل به سبحانه على أنه يمهل الظالم ولا يهمله ‏{‏وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب بل لهم موعد‏}‏ وقد جاء في بعض الآثار أنه كان بين قوله قد أجيبت دعوتكما وغرق فرعون أربعون عاماً ووقوع العفو عن بعض أفراد الظلمة يكون مع تعويض المظلوم فهو ‏[‏ص 142‏]‏ نصر أيضاً وفيه تحذير شديد من الظلم وأن مراتعه وخيمة ومصائبه عظيمة قال‏:‏

نامت جفونك والمظلوم منتبه * يدعو عليك وعين الله لم تنم

والحين الزمان قل أو كثر والمراد هنا الزمان المطلق نحو ‏{‏ولتعلمن نبأه بعد حين‏}‏‏.‏

- ‏(‏طب والضياء‏)‏ في المختارة وابن أبي عاصم والخرائطي في مساوي الأخلاق عن خزيمة بن محمد بن عمارة بن خزيمة بن ثابت عن أبيه ‏(‏عن‏)‏ جده ‏(‏خزيمة‏)‏ بخاء وزاي معجمتين مصغر ‏(‏ابن ثابت‏)‏ بن فاكه الخطمي بفتح المعجمة المدني ذي الشهادتين من كبار الصحابة شهد أحداً وما بعدها وقتل مع علي بصفين قال الهيتمي‏:‏ وفيه من لا أعرفه انتهى وأقول فيه سعد بن عبد الحميد أورده الذهبي في الضعفاء، وقال فحش خطؤه قاله ابن حبان وضعفه غيره أيضاً ولم يترك لكن قال المنذري لا بأس بإسناده في المتابعات‏.‏

149 - ‏(‏اتقوا دعوة المظلوم فإنها تصعد إلى السماء‏)‏ بالمعنى المقرر فيما قبله ‏(‏كأنها شرارة‏)‏ كناية عن سرعة الوصول لأنه مضطر في دعائه وقد قال سبحانه وتعالى ‏{‏أمّن يجيب المضطر إذا دعاه‏}‏ وكلما قوي الظلم قوي تأثيره في النفس فاشتدت ضراعة المظلوم فقويت استجابته والشرر ما تطاير من النار في الهواء شبه سرعة صعودها بسرعة طيران الشرر من النار‏.‏

- ‏(‏ك‏)‏ من حديث عاصم بن كليب عن محارب وكذا الديلمي ‏(‏عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب ثم قال عاصم احتج به مسلم وأقره الذهبي في التلخيص لكن أورد عاصماً هذا في الضعفاء وقال قال ابن المديني لا يحتج بما انفرد به وفيه أيضاً عمرو بن مرزوق أورده في ذيل الضعفاء وقال ثقة قال فيه الدارقطني كثير الوهم وعطاء بن السائب أورده فيهم أيضاً وقال قال أحمد من سمع منه قديماً فهو صحيح انتهى وأما المؤلف فقد رمز لحسنه وقال ثقة‏.‏

150 - ‏(‏اتقوا دعوة المظلوم‏)‏ أي تجنبوا الظلم لئلا يدعو عليكم المظلوم ‏(‏وإن كان كافراً‏)‏ معصوماً فإن دعوته إن كان مظلوماً مستجابة وفجوره على نفسه وفي حديث أحمد عن أبي هريرة مرفوعاً دعوة المظلوم مستجابة ولو كان فاجراً ففجوره على نفسه وإسناده كما في الفتح حسن وروى ابن حبان والحاكم عن أبي ذر من حديث طويل أن في صحف إبراهيم أيها الملك المسلط المبتلى المغرور إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها إلى بعض ولكني بعثتك لترد عني دعوة المظلوم فإني لا أردّها ولو من كافر ولا ينافيه ‏{‏وما دعاء الكافرين إلا في ضلال‏}‏ لأن ذلك في دعائهم للنجاة من نار الآخرة فلا يدل على عدم اعتباره في الدنيا ثم علل الاتقاء بقوله ‏(‏فإنه‏)‏ أي الشأن قال القرطبي‏:‏ الرواية الصحيحة فإنه بضمير المذكر على أن يكون ضمير الأمر والشأن ويحتمل عوده على مذكر الدعوة فإن مذكر الدعوة دعاء وفي رواية فإنها بالتأنيث وهو عائد على لفظ الدعوة ‏(‏ليس دونه‏)‏ وفي رواية دونها ‏(‏حجاب‏)‏ أي ليس بينها وبين القبول حجاب مانع والحجاب هنا ليس حسياً لاقتضائه نوعاً من البعد واستقرار في مكان والله سبحانه وتعالى منزه عن ذلك وأقرب لكل شيء من نفسه فهو تمثيل لمن يقصد باب سلطان عادل جالس لرفع المظالم فإنه لا يحجب‏.‏

- ‏(‏حم ع والضياء‏)‏ المقدسي ‏(‏عن أنس‏)‏ بن مالك واتفق عليه الشيخان بدون الكافر‏.‏

151 - ‏(‏اتقوا فراسة‏)‏ بكسر الفاء ذكره جمع وهي الحذق في ركوب الخيل، والمراد اطلاعه وظاهره أن الفتح لم يسمع هنا لكن في المصباح بعد ذكره الكسر قال إن الفتح لغة ثم قال ومنه اتقوا فراسة فاقتضى كلامه أنه بالفتح وجزم به بعض محققي العجم فقال بالفتح وأما بالكسر فالفروسية على الضمائر‏.‏ فإن قيل ما معنى الأمر باتقاء فراسة ‏[‏ص 143‏]‏ المؤمن‏؟‏ أجيب بأن المراد تجنبوا فعل المعاصي لئلا يطلع عليه فتفضحوا بين يديه‏.‏ ‏(‏المؤمن‏)‏ الكامل الإيمان أي احذروا من إضمار شيء من الكبائر القلبية أو إصرار على معصية خفية أو تعد لحد من الحدود الشرعية فإنه بنور إيمانه الذي ميزه الله به عن عوام المؤمنين مطلع على ما في الضمائر شاهد لما في السرائر فتفضحوا عنده فيشهد عليكم به غداً وأهل العرفان هم شهداء الله في أرضه وربما ساءه ما رأى فغار على حق الحق فيمقتكم الله لمقت وليه وقد وجد من ذلك كثير، والمتفرس النظار المتثبت في نظره حتى يعرف حقيقة سمة الشيء وفي رواية ذكرها ابن الأثير اتقوا قرابة المؤمن قال يعني فراسته وظنه الذي هو قريب من العلم والتحقيق بصدق حديثه وإصابته يقال ما هو بعالم ولا قراب عالم والفراسة الاطلاع على ما في الضمائر وقيل مكاشفة اليقين ومعاينة الغيب وقيل سواطع أنوار تلمع في القلب تدرك بها المعاني وقال الراغب‏:‏ الاستدلال بهيئات الإنسان وأشكاله وألوانه وأقواله على أخلاقه وفضائله ورذائله وربما قيل هي صناعة صيادة لمعرفة أخلاق الإنسان وأحواله وقد نبه الله سبحانه وتعالى على صدقها بقوله تعالى ‏{‏إن في ذلك لآيات للمتوسمين‏}‏ وقوله تعالى ‏{‏تعرفهم بسيماهم‏}‏ ولفظها من قولهم فرس السبع الشاة وسمى الفرس به لأنه يفترس المسافات جرياً فكانت الفراسة اختلاس العارف وذلك ضربان ضرب يحصل للإنسان عن خاطر لا يعرف سببه وهو ضرب من الإلهام بل من الوحي وهو الذي يسمى صاحبه المحدث كما في خبر‏:‏ إن يكن في هذه الأمة محدث فهو عمر وقد تكون بإلهام حال اليقظة أو المنام والثاني يكون بصناعة متعلمة وهي معرفة ما في الألوان والأشكال وما بين الامزجة والأخلاق والأفعال الطبيعية ومن عرف ذلك وكان ذا فهم ثابت قوي على الفراسة، وقد ألف فيها تأليفات فمن تتبع الصحيح منها اطلع على صدق ما ضمنوه والمراد هنا هو الضرب الأول بقرينة قوله ‏(‏فإنه ينظر بنور الله عز وجل‏)‏ أي يبصر بعين قلبه المشرق بنور الله تعالى وباستنارة القلب تصح الفراسة لأنه يصير بمنزلة المرآة التي تظهر فيها المعلومات كما هي والنظر بمنزلة النقش فيها قال بعضهم من غض بصره عن المحارم وكف نفسه عن الشهوات وعمر باطنه بالمراقبة وتعود أكل الحلال لم تخطئ فراسته قال ابن عطاء الله واطلاع بعض الأولياء على بعض الغيوب جائز وواقع لشهادته له بأنه إنما ينظر بنور الله لا بوجود نفسه انتهى ومن ثم شرطوا لحصول نورها ‏{‏ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور‏}‏ والحق سبحانه وتعالى يجزئ العبد على عمله من جنسه فمن غض بصره عن المحارم عوضه إطلاق نور بصيرته وقد قال علي كرم الله وجهه لأهل الكوفة سينزل بكم أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيستغيثون بكم فلم يغاثوا فكان منهم في شأن الحسين ما كان ورأى عمر رضي الله عنه قوماً من مذ حج فيهم الأشتر فصعد النظر فيه وصوب ثم قال قاتله الله إني لأرى للمسلمين منه يوماً عصيباً فكان منه ما كان ونظر رجل إلى امرأة ثم دخل على عثمان رضي الله تعالى عنه فقال يدخل أحدكم علي وفي عينيه أثر الزنا وحاكمت امرأة زوجها إلى بعضهم فأصابته مشغولاً بالتقديس فانتظرته حتى فرغ فقال يا جاهلة بمقدار ما جنته على نفسها اعترفي بذنبك وأعلمي زوجك بجنايتك عليه فإن السكران الذي واقعك في ليلة كذا وزوجك قائم في الهيكل يدعو لك فقد أحبلك وستلدين بعد شهرين خلقاً مشوهاً فكان‏.‏ قال الغزالي وما حكى عن تفرس المشايخ وأخبارهم عن اعتقادات الناس وضمائرهم تخرج عن الحصر قال بل ما حكى عنهم من مشاهدة عذاب القبر والسؤال ومن سماع صوت الهاتف ومن فنون الكرامات خارج عن الحصر والحكاية لا تنفع الجاحد ما لم يشاهد ومن أنكر الأصل أنكر التفصيل ‏(‏سئل‏)‏ بعض العارفين عن الفراسة ما هي‏؟‏ فقال أرواح تتقلب في الملكوت فتشرف على معاني الغيوب فتنطق عن أسرار الحق نطق مشاهدة وعيان وقال أبو عثمان المغربي العارف تضئ له أنوار العلم فيبصر بها عجائب الغيب وقال الحريري لجلسائه‏:‏ هل فيكم من إذا أراد الله أن يحدث في المملكة شيئاً أعلمه قبل أن يبدو قالوا‏:‏ لا‏.‏ قال‏:‏ ابكوا ‏[‏ص 144‏]‏ على قلوب لم تجد من الله شيئاً وقال البرقي‏:‏ وقع اليوم في المملكة حدث لا آكل ولا أشرب حتى أعلم ما هو فورد الخبر بعد أيام أن القرمطي دخل مكة في ذلك اليوم وقتل بها المقتلة العظيمة وقال السهروردي لما ذكر كرامات الأولياء قد يعلمون بعض الحوادث قبل تكوينها‏.‏

- ‏(‏تخ ت‏)‏ واستغربه ‏(‏عن أبي سعيد‏)‏ الخدري وفيه مصعب بن سلام أورده الذهبي في الضعفاء وقال ابن حبان كثير الغلط فلا يحتج به ‏(‏الحكيم‏)‏ الترمذي ‏(‏وسموية‏)‏ بفتح السين وشد الميم المضمومة وهو الحافظ إسماعيل في فوائده ‏(‏طب عد‏)‏ كلهم ‏(‏عن أبي أمامة‏)‏ الباهلي وفيه عبد الله بن صالح كاتب الليث ليس بشيء ‏(‏ابن جرير‏)‏ في تفسيره وهو محمد الطبري المجتهد المطلق أحد أئمة الدنيا علماً وديناً واجتهاداً ‏(‏عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب وفيه مؤمل بن سعيد الرحبي أورده الذهبي في المتروكين وقال‏:‏ قال أبو حاتم‏:‏ منكر الحديث وأسد بن وداعة أورده الذهبي في الضعفاء وقال‏:‏ كان يسب علياً معاصر الدولة مروان الحمار‏.‏ قال السخاوي بعد ما ساق هذه الطرق‏:‏ وكلها ضعيفة وفي بعضها ما هو متماسك لا يليق مع وجوده الحكم على الحديث بالوضع انتهى ومراده رد ما لابن الجوزي حيث حكم بوضعه فلم يصب وحكم السخاوي على الكل بالضعف غير صواب فقد قال الهيتمي‏:‏ إسناد الطبراني حسن وذكر المؤلف في الدرر أن الترمذي خرجه من حديث ابن عمر وثوبان وينطق بتوفيق الله وذكر في تعقيبات الموضوعات أن الحديث حسن صحيح‏.‏

153 - ‏(‏اتقوا محاش النساء‏)‏ بفتح الميم وحاء مهملة وشين معجمة مشددة ويقال بمهملة وهما روايتان كما نبه عليه الشهاب الحجازي وغيره يعني إتيانهن في أدبارهن جمع محشة أو محشاة اسم لأسفل مواضع الطعام من الأمعاء كنى به عن الدبر كما كنى بالحشوش عن الغائط وفي المجيء به هكذا على منهج الرمز باب من حسن الأدب وتحاش عن التفوه بالعظيمة والنهي للتحريم فيحرم إتيان الحليلة في دبرها كما سبق ولاحد لكنه ينهى فإن عاد عزر في الثالثة وما رواه الحاكم عن مالك في قوله الآن فعلته بأم ولدي وفعله نافع وابن عمر وفيه نزل ‏{‏نساؤكم حرث لكم‏}‏ فتعقبوه بأنه كذب عليه لكن رده الحافظ ابن حجر في اللسان فقال أصله في سبب النزول مروي عن ابن عمرو عن نافع وعن مالك من طرق عدة صحيحة بعضها في البخاري ‏(‏سموية‏)‏ في فوائده

- ‏(‏عد‏)‏ وكذا أبو نعيم والديلمي ‏(‏عن جابر‏)‏ بن عبد الله وفيه علي بن أبي علي الهاشمي اللهبي المدني قال في الميزان عن أبي حاتم والنسائي متروك وعن أحمد له مناكير ثم أورد منها هذا الخبر وفيه أيضا ابن أبي فديك‏.‏

153 - ‏(‏اتقوا هذه المذابح‏)‏ جمع مذبح قال في الفردوس وغيره ‏(‏يعني المحاريب‏)‏ أي تجنبوا تحري صدور المجالس يعني التنافس فيها، ووقع للمصنف أنه جعل هذا نهياً عن اتخاذ المحاريب في المساجد والوقوف فيها وقال‏:‏ خفي على قوم كون المحراب بالمسجد بدعة وظنوا أنه كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن في زمنه ولا في زمن أحد من خلفائه بل حدث في المئة الثانية مع ثبوت النهي عن اتخاذه ثم تعقب قول الزركشي المشهور أن اتخاذه جائز لا مكروه ولم يزل عمل الناس عليه بلا نكير بأنه لا نفل في المذهب فيه وقد ثبت النهي عنه انتهى، أقول وهذا بناء منه على ما فهمه من لفظ الحديث أن مراده بالمحراب ليس إلا ما هو المتعارف في المسجد الآن ولا كذلك فإن الإمام الشهير المعروف أي بابن الأثير قد نص على أن المراد بالمحاريب في الحديث صدور المجالس قال ومنه حديث أنس كان يكره المحاريب أي لم يكن يحب أن يجلس في صدور المجالس ويرتفع على الناس انتهى‏.‏ واقتفاه في ذلك جمع جازمين به ولم يحكوا خلافه منهم الحافظ الهيتمي وغيره وقال الحراني‏:‏ المحراب صدر البيت ومقدمه الذي لا يكاد يوصل إليه إلا بفضل منه وقوة جهد وفي الكشاف في تفسير ‏{‏كلما دخل عليها زكريا المحراب‏}‏ ما نصه‏:‏ قيل بنى لها زكريا محراباً في المسجد أي غرفة تصعد إليها بسلم وقيل المحراب أشرف المجالس ومقدمها كأنها وضعت في أشرف موضع في بيت المقدس وقيل كانت ‏[‏ص 145‏]‏ مساجدهم تسمى المحاريب انتهى وقال في تفسير ‏{‏يعملون له ما يشاء من محاريب‏}‏ المحاريب المساكن والمجالس الشريفة سميت به لأنه يحامى عليها ويذب عنها وقيل المساجد انتهى وفي الأساس مررت بمذبح النصارى ومذابيحهم وهي محاريبهم ومواضع كتبهم ونحوها المناسك للمتعبدات وهي في الأصل المذابح انتهى، وفي الفائق المحراب المكان الرفيع والمجلس الشريف لأنه يدافع عنه ويحارب دونه ومنه قيل محراب الأسد لمأواه وسمي القصر والغرفة المنيفة محراباً انتهى بنصه‏.‏ وفي القاموس المذابح المحاريب والمقاصير‏.‏ بيوت النصارى والمحراب الغرفة وصدر البيت وأكرم مواضعه ومقام الإمام من المسجد والموضع ينفرد به الملك، وقال الكمال ابن الهمام في الفتح بعد ما نقل كراهة صلاة الإمام في المحراب لما فيه من التشبه بأهل الكتاب والامتياز عن القوم ما نصه لا يخفى أن امتياز الإمام مفرداً مطلوب في الشرع في حق المكان حتى كان التقدم واجباً عليه وغاية ما هنا كونه في خصوص مكان ولا أثر لذلك فإنه بنى في المساجد المحاريب من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو لم تبن لكانت السنة أن يتقدم في محاذاة ذلك المكان لأنه يحاذي وسط الصف وهو المطلوب إذ قيامه في غير محاذاته مكروه وغايته اتفاق الملتين في بعض الأحكام ولا بدع فيه على أن أهل الكتاب إنما يخصون الإمام بالمكان المرتفع كما قيل فلا تشبه انتهى

- ‏(‏طب هق عن ابن عمرو‏)‏ بن العاص رمز المصنف لحسنه قال الهيتمي‏:‏ فيه عبد الرحمن بن مغرا وثقه ابن حبان وغيره وضعفه ابن المديني في روايته عن الأعمش وليس هذا منها انتهى‏.‏ وقال المصنف حديث ثابت وهو على رأي أبي زرعة ومتابعيه صحيح وعلى رأي ابن عدي حسن والحسن إذا ورد من طريق ثان ارتقى إلى الصحة انتهى وهو غير صواب فقد تعقبه الحافظ الذهبي في المذهب على البيهقي فقال قلت هذا خبر منكر تفرد به عبد الرحمن بن مغرا وليس بحجة انتهى وحينئذ فإثبات الحكم بصحته بفرض ما فهمه المؤلف منه لا يصار إليه‏.‏

154 - ‏(‏أتموا الركوع والسجود‏)‏ أي ائتوا بهما تامين كاملين بشرائطهما وسننهما وآدابهما وأوفوا الطمأنينة فيهما حقها فتجب الطمأنينة فيهما في الفرض وكذا في النفل عند الشافعية وذلك بأن تستقر أعضاؤه في محلها قال الحراني‏:‏ الإتمام التوفية لما له صورة تلتئم من أجزاء وآحاد ‏(‏فو‏)‏ الله ‏(‏الذي نفسي بيده‏)‏ أراد بالنفس ذاته وجملته وباليد قدرة الله تعالى وتصرفه فيه إشارة إلى أن إرادته وتصرفه مغموران في إرادة الله وتصرفه وفيه جواز القسم بما ذكره ونحوه من كل ما يفهم منه ذات الله تعالى تأكيداً للأمر وتفخيماً للشأن ‏(‏إني لأراكم‏)‏ بلام التوكيد وبفتح الهمزة ‏(‏من وراء ظهري إذا ركعتم وإذا سجدتم‏)‏ وفي رواية لمسلم إذا ما ركعتم وإذا ما سجدتم بزيادة ما وهذه رؤية إدراكية فلا تتوقف إلى آلتها ولا على شعاع ومقابلة خرقاً للعادة ولا يلزم من فرضه محال وخالق البصر في العين قادر على خلقه في غيرها وقول الزاهدي كان له عينان بين كتفيه كسم الخياط يرى بهما ولا يحجبهما شيء لم يثبت ولما كانت هذه الرؤية الإدراكية خارجة عن القوانين العادية أكد بالقسم وبأن واللام دفعاً للإنكار قال الحليمي‏:‏ لا سبيل للملحدين إلى استنكار ذلك فإنهم يدعون لفيثاغورش أنه كان يسمع أصوات الأفلاك وصرير حركة الكواكب وألف الألحان عليها وهم عندنا كاذبون إلا أن يثبت أنه كان نبياً وزعم أن هذه رؤية قلبية أو بوحي رد بأنه تعطيل للفظ الشارع بلا ضرورة فحمله على ظاهره وأنه إبصار حقيقي خاص به خرقاً للعادة معجزة له أولى قال ابن حجر‏:‏ وظاهر الحديث أن ذلك خاص بحالة الصلاة ويحتمل العموم انتهى وكلام جمع متقدمين مصرح بالعموم‏.‏ ألا ترى إلى قول المطامح وغيرها أنه كان يبصر من خلفه لأنه كان يرى من كل جهة من حيث كان نوراً كله وهذا من عظيم معجزاته ولهذا كان لا ظل له لأن النور الذي أفيض عليه منع من حجب الظلمة وقد كان يدعو بسبعة عشر نورا فبهذا الأنوار أبصر من كل جهة ولذلك تجلت له الجنة في الجدار لفقد الحجب وزاد لفظ الظهر ولم يكتف بقوله وراء لأن وراء يراد به تارة خلف وتارة أمام فإذا قلت زيد ورائي صح أن يراد في المكان الذي أواريه أنا بالنسبة لمن خلفي فيكون أمامي أو يراد في المحل الذي ‏[‏ص 146‏]‏ هو متوار عني فيكون خلفي، وقال الحراني‏:‏ وراء ما لا يناله الحس ولا العلم حيثما كان من المكان فربما اجتمع أن يكون الشيء وراء من حيث كونه لا يعلم وأما ما في المكان، وقال القاضي‏:‏ وراء في الأصل مصدر جعل ظرفاً يضاف للفاعل ويراد به ما يتوارى وهو خلفه وللمفعول ويراد به ما يواريه وهو قدامه ولهذا عد من الأضداد‏.‏

- ‏(‏حم ق ن عن أنس‏)‏ بن مالك وفي الباب غيره أيضاً وفيه وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود وخصه أبو حنيفة بالفرض وعمم الشافعي رضي الله تعالى عنه‏.‏

155 - ‏(‏أتموا‏)‏ أيها المصلون ندباً مؤكداً ‏(‏الصفوف‏)‏ بضم الصاد أكملوها الأول بالأول فلا يشرع في الصف الثاني حتى يتم الأول ولا يقف في صف حتى يتم ما قبله فإن وجد في صف أمامه فرجة اخترق الصف الذي يليه فما فوقه إليها لتقصيرهم بتركها ‏(‏فإني أراكم خلف ظهري‏)‏ قال في المطامح في أبي داود عن معاوية ما يدل على أن هذا كان في آخر عمره ولهذا قال عياض كان ذلك له بعد ليلة الإسراء كما كان موسى يرى النملة السوداء في الليلة الظلماء من عشرة فراسخ بعد ليلة الطور وزاد لفظ الظهر ولم يكتف بقوله خلفي لما مر قال الحافظ ابن حجر‏:‏ وأما ما اشتهر من خبر لا أعلم ما وراء جداري فلا أصل له وبفرض وروده فالمراد به أنه لا يعلم الغيب إلا بإطلاعه تعالى‏.‏

- ‏(‏م عن أنس‏)‏ بن مالك، متفق عليه بلفظ أقيموا الصفوف فإني أراكم من وراء ظهري‏.‏

156 - ‏(‏أتموا‏)‏ ندباً مؤكداً والصارف عن الوجوب أخبار أخر ‏(‏الصف المقدم‏)‏ أي أكملوا الصف الأول وهو الذي يلي الإمام وإن تخاله نحو منبر أو سارية أو جاء أصحابه متأخرين ‏(‏ثم الذي يليه‏)‏ وهكذا وقول ابن عبد البر المراد به من يسبق إلى الصلاة وإن تأخر غلطوه فيه ‏(‏فما كان من نقص‏)‏ في الصف ‏(‏فليكن‏)‏ أي فاجعلوه ‏(‏في الصف المؤخر‏)‏ فيكره الشروع في صف قبل إتمام ما قبله كما تقرر وهذا الفعل مفوت لفضيلة الجماعة الذي هو التضعيف لا لأصل بركة الجماعة فالتضعيف للجماعة غير بركة الجماعة وبركتها هي عود بركة الكامل منهم على الناقص ذكره المؤلف في بسط الكف في إتمام الصف قال في المجموع‏:‏ اتفقوا على ندب سد الفرج في الصفوف وإتمام الأول فالأول ولا يشرع في صف حتى يتم ما قبله وهذا كله في صفوف الصف الواحد كما يأتي‏.‏

- ‏(‏حم د ن‏)‏ في الصلاة ‏(‏حب وابن خزيمة‏)‏ محمد النيسابوري المجتهد المطلق البحر العجاج المنعوت بإمام الأئمة ‏(‏والضياء‏)‏ المقدسي في المختارة وأبو يعلى والبيهقي ‏(‏عن أنس‏)‏ ابن مالك وسكت عليه أبو داود والمنذري قال النووي في رياضه بعد عزوه لأبي داود إسناده حسن ولم يرمز له المصنف بشيء‏.‏

157 - ‏(‏أتموا‏)‏ هو بمعنى قوله في الرواية الأخرى أسبغوا ‏(‏الوضوء‏)‏ أي عمموا به جميع الأعضاء وائتوا به على التمام بفرائضه وسننه من إطالة غرة وتحجيل وتثليث وتكرار غسل ومسح وقد روى أبو يعلى عن أبي هريرة جاء رجل إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ما إسباغ الوضوء فسكت حتى حضرت الصلاة فدعا بماء فغسل يديه ثم استنثر ‏(‏ويل‏)‏ سوغ الابتداء به وهو نكرة كونه في معنى الدعاء ‏(‏للأعقاب من النار‏)‏ أي شدة هلكة من نار الآخرة لأصحابها المهملين غسل بعضها في الوضوء ويحتمل أن يخص العقب نفسها بعذاب يعذب به صاحبه قال ابن دقيق العيد‏:‏ وأل للعهد والمراد الأعقاب التي رآها تلوح لم يسمها الماء‏.‏ والمراد الأعقاب التي صفتها أن لا تعمم بالمطهر ولا يجوز كون أل للعموم المطلق ومن بمعنى في كما في ‏{‏إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة‏}‏ أو بيانية كما في ‏{‏فاجتنبوا الرجس من الأوثان‏}‏ قال الحراني‏:‏ والويل جماع الشر كله وفي الكشاف الويل نقيض الوأل وهو النجاة اسم معنى كالهلاك إلا أنه لا يشتق منه ‏[‏ص 147‏]‏ فعل وإنما يقال ويلاً له فبنصب نصب المصدر ثم يرفع رفعه لإفادة معنى الثبات فيقال ويل له كقولك سلام عليك انتهى وفيه أن فرض الرجلين الغسل وأنه لا يجزئ فيهما المسح وبه قال جمهور السلف والخلف وقال الشيعة الواجب مسحهما وابن جرير والجبائي يخير بين المسح والغسل وبعض أهل الظاهر يجب الجمع بينهما وبه نوزع قول النووي أنه لم يثبت المسح عند أحد يعتد به في الإجماع‏.‏ وممن روى عنه المسح كما في مصنف ابن أبي شيبة وغيره وعكرمة والحسن والشعبي بل وأنس وغيره من الصحابة وفيه أيضاً وجوب تعميم الأعضاء بالطهر وأن ترك بعضها غير مجزئ وإنما خص الأعقاب لأنه ورد على سبب وهو أنه رأى قوماً يصلون وأعقابهم تلوح وقيل إنما خصها لغلبة التساهل فيها والتهاون بها لأنها في أواخر الوضوء وأسافل البدن وفي محل لا يشاهد غالباً فكان الاهتمام بها أحق من غيرها وفيه الاهتمام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال الدميري‏:‏ وفيه حجة لأهل السنة أن المعذب الجسد الدنيوي لأنه أثبت الوعيد لتلك الأعقاب المرئية وفيه دلالة للتعذيب على الصغائر لأن ترك بعض العضو غير مغسول ليس من الكبائر للاختلاف في فرض الرجلين إذ ابن جرير يقول بالتخيير بينه وبين المسح والمسح لا يستوعب العضو وما في مقام الاجتهاد لا يصل إلى رتبة الكبائر انتهى وهو في حيز المنع فإن كون الشيء كبيرة ليس مناطه أن يكون مجمعاً عليه بل أن يكون فيه وعيد شديد أو حد أو يؤذن بقلة اكتراث مرتكبه بالدين كما سيجيء وقد عدوا من الكبائر ما فيه خلاف حتى بين الأئمة الأربعة الذين لا يجوز الآن تقليد غيرهم‏.‏ ألا ترى أن الشافعية جزموا بأن شرب النبيذ كبيرة‏؟‏ ‏.‏